كيف أثَّر غزو العراق في عقيدة الجيش الأميركي وثقافته القتالية؟ في هذا المقال المنشور في مجلة "فورين أفيرز"، يجادل بيتر منصور، الكولونيل المتقاعد في الجيش الأميركي الذي خدم سابقا في بغداد، أن الغزو العراقي كان به تأثير شبيه بحرب فيتنام على الجيش الأميركي، حيث نقل تركيزه من الحروب التقليدية إلى فضاءات الحرب غير النظامية ومكافحة التمرد، مجادلا أن الخبرات التي حازها الأميركيون في العراق ربما تثبت أنها لا تزال ذات قيمة في المستقبل.
نص الترجمة:
غزت الولايات المتحدة العراق قبل عشرين عاما، وأطلقت العنان دون أن تدري لصراع طويل من أجل الاستقرار والأمن في البلاد. لقد توقَّع الرئيس الأميركي "جورج بوش" الابن، ووزير دفاعه "دونالد رامسفيلد"، حربا خاطفة وقصيرة تنتهي حالما تطرد القوات الأميركية الديكتاتور العراقي "صدام حسين". وراهن الكثيرون على أن الجيش الأميركي سينفَذ بسرعة وبراعة عبر خطوط الجيش العراقي بقواته المتفوقة تكنولوجيًّا، في تدخُّل سريع ينتهي بالسيطرة على بغداد. ولكن بدلا من ذلك، فإن الافتراضات الخاطئة بشأن إسقاط صدام حسين، وإرسال قوة أميركية أصغر من اللازم لتنفيذ عملية الغزو وتأمين البلاد؛ أدت إلى اندلاع انتفاضة شَرِسة أثبتت الأيام أن هزيمتها صعبة جدا.
في أعقاب معركة الغزو الأولى، وجد الجيش الأميركي نفسه واقعا في شَرَك معركة مشابهة لتلك التي خاضها في فيتنام في الستينيات والسبعينيات. بيد أن الكثير من الدروس المُستفادة من حرب فيتنام كان قد طواها النسيان بعد أن مرَّت عليها عقود طويلة، وذلك رغم التكلفة الهائلة لتلك الحرب. وبعد أن انسحبت الولايات المتحدة من فيتنام عام 1973، نقل الجيش الأميركي تركيزه إلى تهديد الاتحاد السوفيتي، وأوقف تدريس قواته مكافحة التمرُّد، ومن ثمَّ أخذت تلك الإمكانيات تتآكل في عقيدة الجيش. ونتيجة لذلك، استغرق الأمر بضع سنوات حتى توصَّلت القوات الأميركية إلى الطريقة المُثلى للقتال في العراق. أما اليوم، فيبدو أن الولايات المتحدة تولي الاهتمام من جديد للتنافس بين القوى الكبرى (لا سيما الصين)*، لكنها يجب ألا تكرر خطأها القديم وتُدير ظهرها لعقيدة مكافحة التمرُّد.
ما بعد فيتنام
مشاة البحرية الأمريكية في حرب فيتنام عام 1966. (شترستوك)
في أثناء حرب فيتنام، واجه الجيش الأميركي الوحدات النظامية لشمال فيتنام وميليشيات "فيتكونغ" في الوقت نفسه. وحين همَّت القوات الأميركية بالانسحاب من المعركة، كانت قد اكتسبت معرفة عميقة بحروب مكافحة المتمرِّدين وعمليات إرساء الاستقرار وبناء الدول. وفي الأعوام التالية، تجاهل الجيش تلك الخبرة، تاركا قدرا قليلا منها في مركز "جون كينيدي" للحروب الخاصة. أما بقية الجيش فعاد إلى تجهيزاته من أجل معارك مُكثفة مُحتملة مع دول حلف وارسو في أوروبا.
بسقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، فَقَد الجيش الأميركي بوصلته، إذ إن صراعا بين قوى عالمية كبرى بدا احتمالا ضئيلا في المستقبل القريب حينها، ومن ثمَّ عانى قادة الجيش لتعريف مهمتهم ولإيجاد السبيل الأمثل لتنظيم قواتهم. وقد تبنَّى بعض صناع القرار استخدام القوات الأميركية في عمليات محدودة ومهمات حفظ السلام، وغيرها من "عمليات لا ترقى إلى الحرب" كما شاعت تسميتها في أروقة صناعة القرار في التسعينيات. وقالت وزيرة الخارجية حينئذ "مادلين أولبرايت" مقولتها الشهيرة لرئيس هيئة الأركان المشتركة وقتها "كولِن باول": "ما الحِكمة من امتلاك هذا الجيش العظيم الذي تتحدَّث عنه دوما إن لم يكن بوسعنا استخدامه؟". وبالفعل، أنزلت واشنطن قواتها في التسعينيات إلى الصومال وهاييتي والبوسنة وكوسوفو، وهي عمليات أتاحت توزيع المعونات الغذائية، وأجبرت ديكتاتورا على التنحي عن السلطة، وساعدت في إيقاف حرب أهلية، وأفضت إلى ظهور دولة جديدة على الخريطة. لكنها عمليات لم تتكلَّف كثيرا، كما أن الرأي العام الأميركي سرعان ما طرح الأسئلة حول أهداف تلك العمليات العسكرية حين راح ضحيتها بعض الجنود الأميركيين.
رغم تحريك تلك الأعداد الصغيرة من القوات هُنا وهناك بشكل ناجح، ظل التخطيط لعمليات قتالية واسعة النطاق ملازما لعقل القادة العسكريين في واشنطن. ورأى جنرالات القوات البحرية والجوية أن صعود الصين هو التحدي الأكبر القادم. واستمر مُدرسو الكليات العسكرية يهيئون الفِرَق القتالية في مركز التدريب الوطني على مواجهة جيوش مُعادية مماثلة بشكل غريب للاتحاد السوفيتي، بل وذهبت قيادة القوات المشتركة الأميركية إلى ما هو أبعد من ذلك، وأجرت تدريبات ضد أعداء افتراضيين مماثلين للولايات المتحدة في إمكانياتها، وكأنهم يحاربون خصوما في المرآة لا نظير لهم في العالم الحقيقي.
لقد كان تدمير الجيش العراقي وحركة طالبان أسهل كثيرا من تدشين حكومات جديدة وإرساء الاستقرار في بُلدان عانت أصلا من سنوات من الحُكم غير الرشيد. (غيتي)
لقد دشَّن الجيش الأميركي حينئذ ثورة في تصوُّره للشؤون العسكرية، استخدم فيها أحدث أشكال التكنولوجيا والتنظيم العسكري والعقائد القتالية، جنبا إلى جنب مع الذخيرة الموجَّهة وأحدث ما جادت به أنظمة الاستخبارات والتجسس والرقابة. ومن ثمَّ بات لدى الجيش -نظريا- إمكانية القضاء على الفوضى وتقليل الاحتكاك على أرض المعركة، وتعزيز فرص الانتصار في أي حرب مستقبلية بأقل التكاليف. وصارت أي حروب مُحتملة مع دول مناوئة وأقل قوة مثل إيران والعراق وكوريا الشمالية؛ حروبا سريعة وحاسمة وأقل كُلفة.
وقد بدا لأول وهلة بُعَيْد غزو أفغانستان والعراق أن هؤلاء المُنظِّرين على حق. فقد تحقَّق هدف تغيير النظام الحاكم في البلدين بسرعة وبتكلفة ضئيلة من دماء الجنود وأموال الخزانة الأميركية. بيد أن أحدا لم يُمعِن النظر فيما هو قادم، وسرعان ما تحوَّل الاحتلال الأميركي للبلدين إلى فوضى مهام بناء الدولة القومية، التي لم يكن الجيش الأميركي ولا قواته الخاصة (المارينز) مستعدا أو مُدرَّبا للنجاح فيها. لقد كان تدمير الجيش العراقي وحركة طالبان أسهل كثيرا من تدشين حكومات جديدة وإرساء الاستقرار في بُلدان عانت أصلا من سنوات من الحُكم غير الرشيد. وبينما تعثَّر الجيش الأميركي، اندلعت الانتفاضات الشرِسة المدعومة من دول مجاورة لها أجنداتها الخاصة، وهي أجندات مناوئة بالطبع لأهداف الولايات المتحدة.
أرض المعركة.. المدرسة الأولى
بدأ كبار القادة العسكريين الأميركيين بتجربة عمليات لمكافحة التمرُّد في مدن "تل عَفَر" و"القائم" و"الرمادي"، وأنشأوا تحالفات مع القبائل والقيادات المحلية لمواجهة القاعدة وغيرها من حركات التمرُّد. (غيتي)
لقد تخبَّطت العمليات العسكرية الأميركية السنة تلو السنة بينما أخذ القادة العسكريون يدركون طبيعة الحرب التي وجدوا أنفسهم في أُتونها. في البداية، تشجَّع القادة على شن عمليات هجومية على "الجهاديين" ومعاقل فلول نظام صدام، أيًّا ما كانت التكلفة من دماء الشعب العراقي. وأعرب الفريق "جون أبي زيد"، رئيس القيادة المركزية الأميركية وقتها، عن قلقه من أن القوات الأميركية وقوات حلفائها باتت بمنزلة "أجسام مضادة" ستخلق مع الوقت المزيد من المُتمرِّدين أكثر مما أمكنها دَحره. ولذا، أمر "أبي زيد" قواته بالانسحاب من المدن العراقية لتقليل الاستفزازات التي تثير سخط العراقيين وتُشعِل المزيد من أحداث العُنف. ولكن لأن قوات الجيش والشرطة العراقية الجديدة افتقدت إلى الرجال ولم تكن جاهزة بَعْد، أتاح هذا الانسحاب للمُتمرِّدين من السُّنة والميليشيات الشيعية السيطرة على أحياء سكنية كاملة، ثم اندلعت المواجهات الطائفية حين فجَّر "إرهابيو القاعدة" ضريح "الإمامَيْن علي الهادي والحسن العسكري" في مدينة "سامراء" في فبراير/شباط 2006، ما أدى إلى صراع أهلي كاد يُمزِّق العراق.
وحتى حين أصرَّ كبار القادة العسكريين الأميركيين على التمسُّك بمفاهيمهم الإستراتيجية والعملياتية، فإن القيادات الوسيطة مثل العقيد "هِربِرت ماكماستر" والمُقدِّم "ديل ألفورد" والعقيد "شِن ماكفارلاند"، بدأوا بتجربة عمليات لمكافحة التمرُّد في مدن "تل عَفَر" و"القائم" و"الرمادي"، حيث وضعوا قواتهم في مواقع صغيرة على تخوم المناطق السكنية، وأنشأوا تحالفات مع القبائل والقيادات المحلية لمواجهة القاعدة وغيرها من حركات التمرُّد.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2006، نشر مركز السلاح المُشترك الأميركي بالتعاون مع قيادة التنمية القتالية للقوات الخاصة (المارينز) دليلا جديدا لمكافحة التمرُّد ركَّز على حماية السكان المحليين من "إرهاب المتمرِّدين" وعُنفهم باعتبارها المفتاح الأساسي للنجاح على أرض المعركة. وعلاوة على ذلك، أحدث بوش تغييرات في صفوف القيادة؛ فأقال رامسفيلد وقائده في المعركة الفريق "جورج كيسي"، واستبدل بهما "بوب غيتس" والفريق "ديفيد بِتريوس" على الترتيب. وقد عقد الرجلان العزم على تنفيذ حملة صلبة لمكافحة التمرُّد وتعزيز فرص نجاح قوات التحالف في العراق. ومن جانبه، منحهم بوش الموارد اللازمة لتنفيذ خطتهم أثناء تعزيز أعداد القوات بين عامي 2007-2008، بهدف بذل أقصى جهد لهزيمة القاعدة في العراق وإرساء الاستقرار في البلاد.
بنهاية حملة تعزيز القوات الأميركية في صيف 2008، تراجعت حوادث العُنف في العراق بأكثر من 90% مقارنة بفترة ما قبل تعزيز القوات. (غيتي)
مدعوما بمجالس الصحوة (وهي تحالف من العشائر العراقية السُّنية)* نجحت الولايات المتحدة والانتفاضة القبلية ضد القاعدة في محافظة الأنبار نجاحا فاق كل التوقُّعات. لقد غيّرت الولايات المتحدة هدفها في العراق من تأسيس ديمقراطية جِفِرسونية (نسبة إلى الرئيس الأميركي "توماس جِفِرسون"، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الذي ركَّز اهتمامه على الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان)* إلى هدف عملي أكثر وقابل للتنفيذ: إرساء استقرار مُستدام يوفِّر بيئة آمِنة في العراق تخلق بدورها الظروف الضرورية للديمقراطية على المدى البعيد. وبدوره، نقل الجيش الأميركي تركيزه نحو تنفيذ عمليات مكافحة التمرُّد، وتأمين بغداد والأراضي المحيطة بها، وتدمير تنظيم القاعدة في العراق.
في تلك الأثناء، كانت القوات الأميركية قد تعلَّمت تكتيكات وتقنيات وأساليب جديدة لحروب مكافحة التمرُّد بعد أن خاضتها بنفسها في أحلك لحظات القتال، وباتت في جعبتها أيضا معرفة عسكرية قيِّمة للإفادة منها مُستقبلا. وقد ارتفعت أعداد المقاتلين في صفوف قوات الأمن العراقية في الوقت نفسه، ووصلت إلى 350 ألف جندي وضابط شرطة، مع وجود مستشارين أميركيين في معظم التشكيلات العسكرية والأمنية العراقية. كما تقدَّم أكثر من مئة ألف عراقي ممن سمُّوا أنفسهم "أبناء العراق" (أو الصحوات)* لحماية مجتمعاتهم من هجمات الإرهابيين والمتمردين والميليشيات الشيعية على حدٍّ سواء.
بنهاية حملة تعزيز القوات الأميركية في صيف 2008، تراجعت حوادث العُنف في العراق بأكثر من 90% مقارنة بفترة ما قبل تعزيز القوات. وقد أتاح هذا الهدوء النسبي إجراء أول انتخابات ناجحة في عامي 2009 و2010، التي أدت إلى نتيجة عكسية حين هُزم رئيس الوزراء العراقي "نوري المالكي" في الاقتراع وبات مُهدَّدا بالخروج من السلطة، فرَدَّ الصاع صاعَيْن باستهداف خصومه السياسيين، ومن ثمَّ أشعل من جديد نيران الصراع الأهلي. ولم يصل المالكي وإدارة الرئيس "باراك أوباما" إلى اتفاق بخصوص تجديد الاتفاقية التي حكمت تحرُّكات القوات الأميركية في العراق، ما أفضى إلى انسحاب القوات بنهاية عام 2011. ولذا، سرعان ما أخذ أداء القوات الأمنية يتدهور بدون حضور المستشارين الأميركيين، بسبب إقالة المالكي لمُعظم القادة الأكفاء وسماحه باستشراء الفساد كي يُفرِغ الجيش من معناه (إرضاء لحلفائه من الميليشيات الشيعية)*.
بعد أن اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أراضي العراق عام 2014، عادت القوات الأميركية لدعم الجيش العراقي وقوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكُردية. وقد أبلى التحالف بلاء حسنا في مواجهة داعش مدعوما بالقوة الجوية الصلبة بطبيعة الحال، والعدد المحدود من القوات الخاصة الأميركية، ومثيلتها من قوات المشاة والمستشارين الأميركيين، الذين تعاونوا مع حليفيْهما العراقي والسوري لدحر مقاتلي تنظيم الدولة.
الدروس المنسية.. هل تُنسى من جديد؟
مع هزيمة تنظيم الدولة وانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، ثمَّة احتمال كبير أن تختفي مُجددا مناهج مكافحة التمرُّد من التعليم العسكري والتدريب القتالي في الولايات المتحدة. (غيتي)
لا تنتهي الصراعات بالقضاء على قوات الخصم المُسلَّحة. وعلى مرِّ سنوات من التجربة في العراق، توصَّل الجيش الأميركي مرات ومرات إلى سُبُل تأمين السكان المحليين والسيطرة عليهم، وتنفيذ عمليات دقيقة وانتقائية لمكافحة الإرهاب، وتأسيس قوات أمن محلية فعَّالة، وجمع المعلومات الاستخباراتية، ومنع انتشار المعلومات المُضلِّلة، والتعاون مع الدول المجاورة للحيلولة دون ظهور ملاجئ آمنة للإرهابيين، وإرساء اقتصاد محلي مُستقِر، وتدشين حكومة كُفء، أو ما يُعرف بعمليات بناء الدولة القومية.
بينما تبدو "الحرب على الإرهاب" اليوم وكأنها تودِّعنا وتختفي عن ناظرينا، لم يعُد الجيش الأميركي يُدرِّب جنوده وضباطه بكثافة على تنفيذ حروب مكافحة التمرُّد كما اعتاد في ذروة حربه بالعراق وأفغانستان. وقد أغلق الجيش مركز مكافحة التمرُّد، وقلَّل عدد الساعات المُخصَّصة لتدريبات مكافحة التمرُّد في مؤسسات التعليم العسكرية النظامية، وأوقف التدريبات نفسها في مراكز التدريب القتالية الخاصة به.
لقد بذل الجيش الأميركي ما بوسعه بعد حرب فيتنام لنسيان دروس مكافحة التمرُّد التي تعلَّمها هناك، واختفى ذكر الصراعات المحدودة (Low-intensity Conflict) من مناهج التعليم العسكري في الولايات المتحدة. ومن منتصف سبعينيات القرن الماضي حتى هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، افترض الجيش الأميركي أن معظم جنوده، باستثناء عدد محدود من القوات الخاصة، لا حاجة إليه بحروب مكافحة التمرُّد. والآن، مع هزيمة تنظيم الدولة وانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، ثمَّة احتمال كبير أن تختفي مُجددا مناهج مكافحة التمرُّد من التعليم العسكري والتدريب القتالي في الولايات المتحدة، وهو احتمال فاقمته الحرب في أوكرانيا، وإمكانية عودة الصراع بين القوى الكبرى بصورته التقليدية (بين الولايات المتحدة والصين أو الغرب وروسيا)*.
يجب على الجيوش أن تحفظ مناهج الحروب المحدودة ومكافحة التمرُّد حَيَّة في أذهان قادتها وكلياتها الحربية، وهو ثمن بسيط نظير ما يمكن أن يتكبَّدوه في حرب مستقبلية صادمة. (غيتي)
سيكون من الخطأ ألا يُركز الجيش الأميركي على الصراعات المُحتملة مع الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا، وهُم أعداء واشنطن الأخطر اليوم. بيد أن القادة العسكريين الأميركيين يجب عليهم ألا يتجاهلوا الاحتمال القائم بأنهم سيعودون إلى معارك محدودة في يوم من الأيام ضد جماعات غير نظامية هُنا أو هناك. وإذا دَرَس الضباط وضباط الصف في الجيش الأميركي -وأي جيش في العموم- كل أنواع المخاطر التي قد يواجهونها في قادم السنوات، بما فيها مكافحة التمرُّد، فإنهم سيتكيَّفون بشكل أسرع مع الظروف التي تواجههم في الحروب باختلاف أنواعها.
يجب على الجيوش أن تحفظ مناهج الحروب المحدودة ومكافحة التمرُّد حَيَّة في أذهان قادتها وكلياتها الحربية، وهو ثمن بسيط نظير ما يمكن أن يتكبَّدوه في حرب مستقبلية صادمة. وسيكون أمرا مأساويا إن كرَّر كبار القادة العسكريين الأميركيين خطأ أسلافهم في الحرب الباردة بعد فيتنام، وألقوا بدروس الحرب العراقية وراء ظهورهم بعد أن عانوا الأمرَّيْن من أجلها، متصوِّرين بأن بلادهم لن تخوض هذا النوع من الحروب من جديد. وتاريخ الولايات المتحدة يثبت لنا أن هذا التصوُّر ليس في محلِّه.
————————————————————————————————–
هذا المقال مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.