وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس الشورى الإسلامي، تحدث في برنامج تلفزيوني عن تفاصيل الحرب المفروضة التي بدأت بعد العدوان الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية فجر يوم 13 يونيو.
وأشار إلى القيادة الذكية لسماحة قائد الثورة في هذه المرحلة الحساسة، وقال: بإرادة الله وبتوجيهات القيادة، تحقق هذا النصر الكبير. اليوم، وصل الشعب الإيراني، بفضل أربعين عاماً من الجهاد الذي خاضه أبناؤه، إلى مستوى من الاقتدار لا يستطيع أي عدو النيل منه.
وقال قاليباف مشيراً إلى طبيعة العداء بين الكيان الصهيوني وإيران: مشكلتنا مع الكيان الصهيوني، بل ومع أمريكا، لم تبدأ مع انتصار الثورة الإسلامية، بل لها جذور عميقة تعود إلى قرن مضى. فالأمريكيون سعوا دائماً لإضعاف إيران، سواء في عهد الشاه أو بعده. وكان هدفهم الرئيس أن تكون إيران إما تابعة لهم أو، إذا ما أصبحت مستقلة، أن تكون تحت ضغط دائم.
وأضاف: الكيان الصهيوني، بوصفه ممثلاً لهذا النهج الاستكباري في المنطقة، كان دوماً على تضاد مع معتقدات وقيم الشعب الإيراني، وقد أصبح هذا العداء أكثر وضوحاً في عهد رئاسة نتنياهو للوزراء. حتى إن نتنياهو نفسه يعتبر العداء لإيران أولوية تتقدم على موضوع فلسطين، ومشروعه الرئيس يتمثل في مواجهة القوة الإقليمية والحضارية لإيران.
وفي تحليله لأهداف الكيان الصهيوني من شنّ الحرب الأخيرة، قال رئيس المجلس: كانوا يسعون إلى تحقيق ثلاثة أهداف محددة: أولاً، ضرب البنية السياسية للجمهورية الإسلامية ومحاولة تغيير النظام؛ ثانياً، تعطيل القدرات النووية الإيرانية؛ وثالثاً، إضعاف القدرة الصاروخية للبلاد. وقد طُرحت هذه الأهداف رسمياً من قبل مسؤولي الكيان، من بينهم نتنياهو ووزير الحرب ووزير المالية، وتم الترويج لها على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام التابعة لهم.
وأكد قاليباف على التنسيق الكامل بين الكيان الصهيوني وأمريكا في هذه الحرب، وأضاف: لا يقوم هذا الكيان بأي إجراء عسكري أو سياسي أو دولي دون تنسيق مع أمريكا. في الواقع، ينبغي البحث عن الجذر الأساسي لهذه الحرب في سياسات البيت الأبيض.
وتابع: لكن ما هو مهم أن العدو فشل في تحقيق أيٍّ من أهدافه الثلاثة. حتى المحللين في مراكز التفكير الأمريكية والأوروبية أقروا بأن الصهاينة لم ينجحوا في بلوغ أهدافهم.
وأشار قاليباف إلى الخسائر البشرية والأضرار الناجمة عن الحرب، وقال: نحن لا ننكر الأضرار التي لحقت بنا؛ فالحرب بطبيعتها تصاحبها خسائر، وفي هذا الصراع استُشهد أكثر من ألف شخص، كان الكثير منهم من النساء والأطفال والمدنيين. ولكن نهاية هذه المعركة كانت لصالحنا، إذ لم يحقق العدو أهدافه، بل كانت فرصة كبرى لنا لإعادة تعريف قدراتنا وتعزيزها.
وشدد على أن مكاسب هذه الحرب لم تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل كانت ذات أهمية استراتيجية وسياسية أيضاً. وأثبتت هذه التجربة أن الشعب الإيراني، والنظام الإسلامي، والقوات المسلحة في البلاد، يقفون أمام كل تهديد، ولن يسمحوا لأعدائهم بتحقيق مآربهم الشريرة.
وفي سياق حديثه عن الأبعاد الجيوسياسية لإيران وأهداف الأعداء بعيدة المدى، أوضح رئيس المجلس: بعيداً عن الجوانب السياسية البحتة، فإن الجغرافيا الإيرانية تُعد عنصراً حاسماً في معادلات القوة العالمية؛ وهي جغرافيا لطالما كانت محل أطماع القوى الكبرى عبر التاريخ.
وقال قاليباف: قد نقول إننا لا شأن لنا بالكيان الصهيوني، لكنهم هم من لديهم مشكلة مع جغرافيتنا. حتى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، أعلنت إيران حيادها، لكن هذا الحياد لم يُقبل، لأن المسألة لم تكن سياسية فحسب، بل تتعلق بجغرافيا إيران.
وأضاف: هذه الجغرافيا التي تحمل تاريخاً حضارياً غنياً، وتحتضن قيماً راسخة في الإسلام والإنسانية والكرامة ومناهضة الظلم والاستقلال والهوية، لا يمكن أن تكون مقبولة لدى الكيان الصهيوني؛ كيان قائم على فكر توسعي وعنصري، ومدعوم بالكامل من أمريكا والغرب.
وأكد قاليباف: حتى لو لم تنتج السياسات الإيرانية قوة، فإن هذه الجغرافيا بما تحمله من تاريخ وقيم، بحد ذاتها كافية لأن تكون سبباً لعداء الكيان الصهيوني وحلفائه. الحرب الأخيرة أثبتت أنه رغم وجود اختلافات في الأذواق والرؤى في بعض المجالات، فإن الشعب والتيارات السياسية اجتمعت جميعاً في مواجهة التهديد الخارجي تحت قيادة سماحة قائد الثورة.
وأشار رئيس المجلس إلى الخلفية الجغرافية لإيران، وقال: انظروا إلى أرض إيران؛ كنا في الماضي أوسع بكثير مما نحن عليه الآن. خلال الثلاثمئة عام الماضية، أدت هشاشة الأنظمة السياسية إلى فقدان أجزاء مثل البحرين. لكن اليوم، أثبت الشعب الإيراني أنه في مواجهة أي عدوان، سيصمد ويقاوم.
وتطرق قاليباف إلى الحرب المفروضة، مشيراً إلى تجربة قيادة الإمام الخميني (رض) والحضور المباشر للسيد الخامنئي في المجلس الأعلى للدفاع آنذاك، وقال: في ذلك الوقت، وقف العالم بأسره ضدنا؛ من الشرق إلى الغرب، من الاتحاد السوفيتي إلى أمريكا. لكن الشعب الإيراني والنظام الإسلامي، تحت قيادة ولاية الفقيه، دافعوا عن الوطن والإسلام. وكما قال الإمام الخميني (رض) بحق: الإسلام والوطن في إيران متطابقان، وهما لا ينفصلان.
وفي سياق حديثه، أشار إلى حادثة بدء الحرب الأخيرة وقال: من أبرز الأسئلة المطروحة هو: هل فوجئت إيران بهجوم تلك الليلة؟ الجواب: لم نتفاجأ بالحرب نفسها، لكننا فوجئنا بأسلوب تنفيذها. هذا الأسلوب يعكس طبيعة الكيان الصهيوني الإرهابي، الذي لا يعترف بأي حدود إنسانية أو قوانين دولية. فقد استهدف منذ الدقائق الأولى رأس القيادة لدينا.
وتابع قاليباف: عند الساعة الثالثة فجرًا، بدأ الهجوم باستهداف رئيس هيئة الأركان العامة. لقد استهدفوا العقول التي تخطط وتقود، ثم نفذوا هجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة على المراكز الرادارية، ما يعني أنهم أصابوا "عيننا". وقد تم تنفيذ هذا الجزء من العملية بتخطيط دقيق وبالاستفادة من معلومات الأقمار الصناعية.
رئيس مجلس الشورى تابع قائلًا: في مثل هذه الظروف، اتخذ قائد الثورة الإسلامية، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، قرارًا ذكيًا، فأصدر في الساعات الأولى من صدمة الحرب التعيينات اللازمة وحدد قادة جدد، ما أخرج القوات المسلحة بسرعة من حالة الصدمة؛ على غرار ما حدث في بداية الحرب المفروضة عام 1979م.
وأضاف: بناءً على هذه القرارات السريعة، تم تنفيذ رد قوي خلال ساعات قليلة فقط، حيث أُطلق 1050 صاروخًا و350 طائرة مسيرة باتجاه مواقع العدو؛ هجوم لم يكن متوقعًا بهذا الحجم والسرعة. كان العدو يظن أنه بضرب المراكز الرادارية والقيادية سيفقد إيران قدرتها، لكن حساباته كانت خاطئة.
قال قاليباف: هذا هو نفس الخطأ الذي أشار إليه قائد الثورة مرارًا؛ وهو أن الأمريكيين والصهاينة لا يعرفون الشعب الإيراني ولا الثقافة الإيرانية. فالشعب الإيراني يدرك الموقف، ويعي التوقيت، وهو شعب واعٍ محلل، ومستعد للتضحية بحياته في اللحظات الحاسمة.
وأكد: إن مسؤوليتنا نحن المسؤولين تجاه هذا الوعي والمعرفة لدى الشعب أصبحت مضاعفة. لا ينبغي أن نتعامل مع الشعب بعقلية الاستخدام المؤقت. هذه الرأسمال الاجتماعي هي نقطة قوتنا ونقطة ضعف أعدائنا.
وأشار قاليباف إلى الأهداف الثلاثة المعلنة للكيان الصهيوني—تغيير النظام، القضاء على القدرات النووية، وكبح البرنامج الصاروخي الإيراني—قائلًا: لم يحققوا أيًا من هذه الأهداف. وعلى الجانب الآخر، أظهر الشعب الإيراني تماسكًا اجتماعيًا غير مسبوق، سواء في الداخل أو في الخارج. هذا التلاحم والتحرك الشعبي، كان في الحرب الإدراكية أكثر تأثيرًا من أي صاروخ أو طائرة مسيّرة.
وتابع قاليباف مشيرًا إلى الأهداف المعلنة للكيان الصهيوني من الحرب الأخيرة، وإلى الأداء الناجح للجمهورية الإسلامية الإيرانية في التصدي لهذا العدوان، فقال: كان الكيان الصهيوني يسعى إلى تدمير العناصر الأساسية لقوة إيران. لم يكن هدفهم مجرد إسقاط النظام، بل كانوا يسعون إلى تفكيك إيران كدولة ذات جغرافيا موحدة وحضارة عميقة الجذور.
وأضاف: الشعب الإيراني يدرك جيدًا أن النظام الإسلامي اليوم هو الحامي لهويته، ووحدة أراضيه وتماسك بلده. الكيان الصهيوني ينفذ في إيران نفس السيناريو الذي طبقه في سوريا. خطتهم تبدأ بالإسقاط، ثم تنتهي بالتقسيم.
وأشار قاليباف إلى القدرات الصاروخية للبلاد بوصفها أحد أهم أركان القوة الوطنية، وقال: في كل المفاوضات التي جرت سابقًا مع أمريكا، كانت هناك دائمًا ثلاثة محاور رئيسية: النووي، الصواريخ، والنفوذ الإقليمي لإيران. ونحن دخلنا التفاوض فقط ضمن الملف النووي، وكررنا دائمًا أن إيران عضو في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وتعمل ضمن إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لم نسعَ قط للحصول على سلاح نووي، ولن نسعى لذلك، لكننا نعتبر التخصيب حقًا مشروعًا لنا.
وتابع: هدفهم من اغتيال العلماء النوويين والهجمات الاستخبارية لم يكن الأفراد فقط، بل كان تدمير القدرة العلمية للبلاد. لكن هذه القدرة تستند إلى ثقافة وجذور اجتماعية لا يمكن القضاء عليها بالاغتيالات أو العقوبات.
رئيس مجلس الشورى شرح تفاصيل الهجوم الإيراني المضاد ردًا على عدوان الكيان الصهيوني، وقال: في الليلة الأولى نفسها، تمكنا من تنفيذ 150 عملية إطلاق صاروخي. رغم أن الأجواء العراقية كانت بيد أمريكا، والسورية بيد الكيان الصهيوني، ورغم استخدامهم لكل إمكانياتهم، استطعنا استهداف عمق مواقعهم.
وأضاف قاليباف: الكيان الصهيوني يسعى لتوسيع جغرافيته، لكن ما جرى في هذه المعركة أثبت قدرة إيران النارية. فقد تم استخدام طائرات مسيّرة تطلق الصواريخ، وطائرات استطلاع، وطائرات حربية ومعدات أخرى، وتمكّنت قواتنا من التفوق حتى في مجال الدفاع الجوي.
وأكد: لم نسمح للكيان الصهيوني بتحقيق أهدافه، بل استهدفنا أهدافه العسكرية بدقة. في هذه العملية، كانت أجواء الكيان وأراضيه تحت سيطرتنا؛ من الشرق إلى الجنوب، استُهدفت مراكزه البحثية، ومطاراته، وقواعده الاستخبارية، وصناعاته العسكرية بدقة عالية.
وأضاف قاليباف: العقيدة العسكرية للكيان الصهيوني، القائمة على "الردع الاجتماعي"، قد انهارت. كانوا يزعمون أن "أرض الميعاد" هي أكثر مكان آمن للعيش؛ وأن "القبة الحديدية" مصممة لاعتراض الصواريخ في المصدر، أو في المسار، أو عند الهدف. لكننا استهدفنا مواقعهم الحساسة بصواريخ دقيقة التوجيه وبدقة عالية.
وأضاف: صواريخنا انطلقت من طهران نحو تل أبيب، بقوة ودقة. في إحدى العمليات، تم إطلاق صاروخ واحد فقط في توقيت معين، فأصاب هدفًا شديد الحساسية وأوقع أكبر خسائر في صفوف العدو. هذا يدل على سيطرة معلوماتية كاملة، واستطلاع دقيق، ورد محسوب ومدروس.
وفي جزء آخر من كلمته، قال رئيس مجلس الشورى: أجبرنا حتى منظوماتهم الدفاعية على الركوع. ورغم كل المساعي لوقف الحرب، أكدنا أن الطرف الذي بدأ العدوان هو الذي يجب أن يتلقى الضربة الأخيرة. وهذا يعكس قوتنا وسيطرتنا على الميدان.
وأضاف قاليباف: كانت قوتنا العسكرية من الحجم الذي جعل الكيان الصهيوني غير قادر على مواصلة الحرب لأسبوع واحد. وذلك في وقت كانت فيه أمريكا تتولى قيادة الحرب بشكل مباشر، وكان الكيان الصهيوني عمليًا مجرد وكيل لها في ساحة المعركة.
وقال: الكيان الصهيوني اليوم فقد حتى أمنه الداخلي. فبينما عاد بعض الناس في طهران إلى مدنهم الأصلية كإجراء احترازي، فإن سكان الأراضي المحتلة اليوم لا يملكون أي ملجأ. بل ليس لديهم حتى دولة يعودون إليها، لأنهم كيان مغتصب يفتقر للشرعية أصلًا.
وأكد قاليباف: هذه الحرب أظهرت بوضوح أن الكيان الصهيوني إذا تُرك وحيدًا، من دون دعم مباشر من أمريكا، فلن يصمد حتى أسبوعًا واحدًا أمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. إن شعبنا، وقدرتنا الدفاعية، وقيادتنا القوية، هي أضلاع ثلاثية للقوة لا يمكن لأي عدو اختراقها.
يتبع..